فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

{فَلَمَّا آَتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آَتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190)}.
يقال إن الآية المتقدمة هي في أدم وحواء وإن الضمير في قوله: {آتاهما} عائد عليهما، قال إن الشرك الذي جعلاه هو في الطاعة، أي أطاعا إبليس في التسمية بعبد الحارث كما كانا في غير ذلك مطيعين لله، وأسند الطبري في ذلك حديثًا من طريق سمرة بن جندب، ويحتمل أن يكون الشرك في أن جعلا عبوديته بالاسم لغيره، وقال الطبري والسدي في قوله تعالى: {فتعالى الله عما يشركون} إنه كلام منفصل ليس من الأول، وإن آدم وحواء تم في قوله: {فلما آتاهم}، وإن هذا كلام يراد به مشركو العرب.
قال القاضي أبو محمد: وهذا تحكم لا يساعده اللفظ، ويتجه أن يقال تعالى الله عن ذلك اليسير المتوهم من الشرك في عبودية الاسم، ويبقى الكلام في جهة أبوينا آدم وحواء عليهما السلام، وجاء الضمير في {يشركون} ضمير جمع لأن إبليس مدبر معهما تسمية الولد عبد الحارث، ومن قال إن الآية المتقدمة إنما الغرض منها تعديد النعمة في الأزواج وفي تسهيل النسل والولادة ثم ذكر سوء فعل المشركين بعقب ذلك، قال في الآية الأخيرة إنها على ذلك الأسلوب وإن قوله: {فتعالى الله عما يشركون} المراد بالضمير فيه المشركين، والمعنى في هذه الآية فلما آتى الله هذين الانسانين صالحًا أي سليمًا ذهبا به إلى الكفر وجعلا لله فيه شركًا وأخرجاه عن الفطرة، ولفظة الشرك تقتضي نصيبين، فالمعنى: وجعلا لله فيه ذا شرك لأن إبليس أو أصنام المشركين هي المجعولة، والأصل أن الكل لله تعالى وبهذا حل الزجاج اعتراض من قال ينبغي أن يكون الكلام جعلا لغيره شركًا وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر {شِرْكًا} بكسر الشين وسكون الراء على المصدر، وهي قراءة ابن عباس وأبي جعفر وشيبة وعكرمة ومجاهد وعاصم وأبان بن تغلب، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم {شركاء} على الجمع، وهي بينة على هذا التأويل الأخير وقلقه على قول من يقول: إن الآية الأولى في آدم وحواء، وفي مصحف أبيّ ابن كعب {فلما آتاهما صالحًا أشركا فيه}، وذكر الطبري في قصص حواء وآدم وإبليس في التسمية بعيد الحارث وفي صورة مخاطبتهم أشياء طويلة لا يقتضي الاختصار ذكرها.
وقرأ نافع والحسن وأبو جعفر وأبو عمرو وعاصم {عما يشركون أيشركون} بالياء من تحت فيهما، وقرأ أبو عبد الرحمن {عما تشركون} بالتاء من فوق {أتشركون ما لا يخلق} الآية. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله: {فلما آتاهما صالحًا جعلا له شركاء}.
قرأ ابن كثير، وابن عامر، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: {شركاء} بضم الشين والمدّ، جمع شريك.
وقرأ نافع، وأبو بكر عن عاصم: {شِركًا} مكسورة الشين على المصدر، لا على الجمع.
قال أبو علي: من قرأ {شِرْكًا} حذف المضاف، كأنه أراد: جعلا له ذا شِرك، وذوي شريك؛ فيكون المعنى: جعلا لغيره شِركًا، لأنه إذا كان التقدير: جَعلا له ذوي شرك، فالمعنى: جعلا لغيره شركًا، وهذه القراءة في المعنى كقراءة من قرأ {شركاء}.
وقال غيره: معنى شركاء شريكًا، فأوقع الجمع موقع الواحد كقوله: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم} [آل عمران: 173] والمراد بالشريك: إبليس، لأنهما أطاعاه في الاسم، فكان الشرك في الطاعة، لا في العبادة؛ ولم.
يقصدا أن الحارثَ ربُّهما، لكن قصدا أنه سبب نجاة ولدهما؛ وقد يُطلَق العبد على من ليس بمملوك.
قال الشاعر:
وإني لَعبدُ الضَّيف ما دَامَ ثَاويًا ** وما فيَّ إلا تِلْكَ مَنْ شِيْمَةِ العَبْدِ

وقال مجاهد: كان لا يعيش لآدم ولد، فقال الشيطان: إذا وُلد لكما ولد فسمياه عبد الحارث، فأطاعاه في الاسم، فذلك قوله: {جعلا له شركاء فيما آتاهما} هذا قول الجمهور، وفيه قول ثان، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: ما أشرك آدم، إن أول الآية لَشكر، وآخرها مَثَل ضربه الله لمن يعبده في قوله: {جعلا له شركاء فيما آتاهما}.
وروى قتادة عن الحسن قال: هم اليهود والنصارى، رزقهم الله أولادًا فهوَّدوهم ونصَّروهم.
وروي عن الحسن، وقتادة قالا: الضمير في قوله: {جعلا له شركاء} عائد إلى النفس وزوجه من ولد آدم، لا إلى آدم وحواء.
وقيل: الضمير راجع إلى الولد الصالح، وهو السليم الخلْق، فالمعنى: جعل له ذلك الولدُ شركاء.
وإنما قيل: {جعلا} لأن حواء كانت تلد في كل بطن ذكرًا وأُنثى.
قال ابن الأنباري: الذين جعلوا له شركاء اليهود والنصارى وغيرهم من الكفار الذين هم أولاد آدم وحواء.
فتأويل الآية: فلما آتاهما صالحًا جعل أولادُهُما له شركاء، فحذف الأولاد وأقامهما مقامهم كما قال: {وسأل القرية} [يوسف: 82].
وذهب السدي إلى أن قوله: {فتعالى الله عما يشركون} في مشركي العرب خاصة، وأنها مفصولة عن قصة آدم وحواء. اهـ.

.قال القرطبي:

{فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا}.
واختلف العلماء في تأويل الشرك المضاف إلى آدم وحواء، وهي:
الثالثة قال المفسرون: كان شِرْكًا في التسمية والصفة، لا في العبادة والربوبية.
وقال أهل المعاني: إنهما لم يذهبا إلى أن الحارث ربهما بتسميتهما ولدهما عبد الحارث، لكنهما قصدا إلى أن الحارث كان سبب نجاة الولد فسمّياه به كما يسمِّي الرجل نفسه عبد ضيفه على جهة الخضوع له، لا على أن الضيف ربُّه؛ كما قال حاتم:
وإني لَعبد الضّيف ما دام ثاويًا ** وما فيّ إلاّ تِيكَ من شِيمة العبدِ

وقال قوم: إن هذا راجع إلى جنس الآدميين والتبيين عن حال المشركين من ذرّية آدم عليه السلام، وهو الذي يُعوَّل عليه.
فقوله: {جَعَلاَ لَهُ} يعني الذكر والأُنثى الكافرين، ويُعنى به الجنسان.
ودلّ على هذا {فَتَعَالَى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ} ولم يقل يشركان.
وهذا قولٌ حسنٌ.
وقيل: المعنى {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} من هيئة واحدة وشكل واحد {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} أي من جنسها {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا} يعني الجنسين.
وعلى هذا القول لا يكون لآدم وحوّاء ذكر في الآية؛ فإذا آتاهما الولد صالحًا سليمًا سوِيًا كما أراداه صرفاه عن الفِطرة إلى الشرك، فهذا فعل المشركين.
قال صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة في رواية على هذه الملة أبواه يُهَوِّدانِه ويُنَصِّرانه ويُمَجِّسانِه» قال عكرمة: لم يخص بها آدم، ولكن جعلها عامة لجميع الخلق بعد آدم.
وقال الحسين بن الفضل: وهذا أعجب إلى أهل النظر؛ لما في القول الأول من المضاف من العظائم بنبيّ الله آدم.
وقرأ أهل المدينة وعاصم {شِرْكًا} على التوحيد.
وأبو عمرو وسائر أهل الكوفة بالجمع، على مثل فُعَلاَءَ، جمع شريك.
وأنكر الأخفش سعيد القراءة الأُولى، وهي صحيحة على حذف المضاف، أي جعلا له ذا شرك؛ مثل {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} فيرجع المعنى إلى أنهم جعلوا له شركاء.
الرابعة ودلّت الآية على أن الحمل مرض من الأمراض.
روى ابن القاسم ويحيى عن مالك قال: أوّل الحمل يُسْرٌ وسرور، وآخره مرض من الأمراض.
وهذا الذي قاله مالك: إنه مرض من الأمراض يعطيه ظاهر قوله: {دَّعَوَا الله رَبَّهُمَا} وهذه الحالة مشاهدة في الحُمّال، ولأجل عظم الأمر وشدّة الخطب جُعل موتُها شهادةً؛ كما ورد في الحديث: وإذا ثبت هذا من ظاهر الآية فحال الحامل حال المريض في أفعاله.
ولا خلاف بين علماء الأمصار أن فعل المريض فيما يَهَب ويُحابِي في ثُلثُه.
وقال أبو حنيفة والشافعيّ: إنما يكون ذلك في الحامل بحال الطَّلْقِ، فأما قبل ذلك فلا.
واحتجّوا بأن الحمل عادةٌ والغالب فيه السلامة.
قلنا: كذلك أكثر الأمراض غالبه السلامة، وقد يموت من لم يمرَض.
الخامسة قال مالك: إذا مضت للحامل ستة أشهر من يوم حملت لم يجز لها قضاء في مالها إلا في الثلث.
ومن طلّق زوجته وهي حامل طلاقًا بائنًا فلما أتى عليها ستةُ أشهر فأراد ارتجاعها لم يكن له ذلك؛ لأنها مريضة ونكاح المريضة لا يصح.
السادسة قال يحيى: وسمعت مالكًا يقول في الرجل يحضر القتال: إنه إذا زحف في الصف للقتال لم يجز له أن يقضي في ماله شيئًا إلا في الثلث، وإنه بمنزلة الحامل والمريض المخوف عليه ما كان بتلك الحال.
ويلتحق بهذا المحبوس للقتل في قصاص.
وخالف في هذا أبو حنيفة والشافعيّ وغيرهما.
قال ابن العربيّ: وإذا استوعبت النظر لم تَرْتَب في أن المحبوس على القتل أشدّ حالًا من المريض، وإنكار ذلك غفلة في النظر؛ فإن سبب الموت موجود عندهما، كما أن المرض سبب الموت، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الموت مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ}.
وقال رُوَيْشَد الطائيّ:
يا أيها الراكبُ المُزْجِي مَطِيَّتَه ** سائلْ بني أسَدٍ ما هذه الصَّوْتُ

وقل لهم بادروا بالعُذْر والتمسوا ** قولًا يُبَرّئُكم إنِّي أنا المَوْتُ

ومما يدل على هذا قوله تعالى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأبصار وَبَلَغَتِ القلوب الحناجر} [الأحزاب: 10].
فكيف يقول الشافعيّ وأبو حنيفة: الحال الشديدة إنما هي المبارزة؛ وقد أخبر الله عز وجل من مقاومة العدو وتَداني الفريقين بهذه الحالة العظمى من بلوغ القلوب الحناجر، ومن سوء الظنون بالله، ومن زلزلة القلوب واضطرابها؛ هل هذه حالة ترى على المريض أم لا؟ هذا ما لا يشك فيه منصِف، وهذا لمن ثبت في اعتقاده، وجاهد في الله حق جهاده، وشاهد الرسول وآياته؛ فكيف بنا؟
السابعة وقد اختلف علماؤنا في راكب البحر وقت الهَوْل؛ هل حكمه حكم الصحيح أو الحامل.
فقال ابن القاسم: حكمه حكم الصحيح.
وقال ابن وهب وأشهب: حكمه حكم الحامل إذا بلغت ستة أشهر.
قال القاضي أبو محمد: وقولهما أقيس؛ لأنها حالة خوف على النفس كإثقال الحمل.
قال ابن العربي: وابن القاسم لم يركب البحر، ولا رأى دودًا على عود.
ومن أراد أن يوقن بالله أنه الفاعل وحده لا فاعل معه، وأن الأسباب ضعيفة لا تعلق لموقن بها، ويتحقّق التوكل والتفويض فليركب البحر. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {فلما آتاهما صالحًا جعلا له شركاء فيما آتاهما} قال ابن عباس: أشركاه في طاعته في غير عبادة ولم يشركا بالله ولكن أطاعاه.
وقال قتادة: أشركا في الاسم ولم يشركا في العبادة.
وقال عكرمة ما أشرك آدم ولا حواء وكان لا يعيش لهما ولد فأتاهما الشيطان فقال إن سركما أن يعيش لكما ولد فسمياه عبد الحارث فهو قوله تعالى: {جعلا له شركاء فيما آتاهما} قرئ {شركا} بكسر الشين مع التنوين ومعناه شركة وقال أبو عبيدة معناه حظًا ونصيبًا وقرئ {شركاء} بضم الشين مع المد جمع شريك يعني إبليس عبر عن الواحد بلفظ الجمع يعني جعلا له شريكًا إذ سميا ولدهما عبد الحارث.